لندن ــ لقد ألقت عقود من حكم عائلة الأسد في سوريا بظلالها الطويلة على لبنان، تاركة وراءها آثاراً من الهيمنة العسكرية والتدخل السياسي وإرثاً مؤلماً من الاغتيالات. ولكن بصيصاً من الأمل يلوح الآن في الأفق مع تصور لبنان لمستقبل خال من النفوذ الشامل للنظام.
لقد أطيح بشار الأسد، الذي ورث السلطة عن والده حافظ في عام 2000، في الثامن من ديسمبر/كانون الأول، إيذاناً بنهاية حرب أهلية مروعة دامت ثلاثة عشر عاماً. ومن المتوقع أن يعيد هذا الحدث المحوري تشكيل ديناميكيات المنطقة، حيث يقف لبنان بين أكثر البلدان تضرراً.
جذور التدخل السوري في لبنان
يمكن إرجاع هوس نظام الأسد بلبنان إلى أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1973. وأصبح حماية الجناح الاستراتيجي لسوريا من خلال وادي البقاع في لبنان محوراً رئيسياً، كما ورد في دراسة أجراها باسل صلوخ من الجامعة اللبنانية الأميركية في عام 2005.
ولكن إسرائيل لم تكن الشغل الشاغل الوحيد للنظام. فقد كان حافظ الأسد، الذي صعد إلى السلطة في عام 1970، يخشى بشدة المؤامرات والانقلابات. وكما أوضح المؤرخ السوري سامي مبيض لصحيفة عرب نيوز، فإن لبنان كان بمثابة أرض خصبة للعديد من التهديدات التي كان يتصورها.
ومن بين هذه التهديدات:
منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات
حركة فتح الفلسطينية
مجلس قيادة الثورة التابع لفتح المدعوم من العراق
ومن المعتقد أن محمد عمران، الحليف السابق الذي تحول إلى منافس، اغتيل على يد المخابرات السورية في عام 1972.
بالإضافة إلى ذلك، استثمر الزعيم العراقي صدام حسين بشكل كبير في لبنان، حتى أنه دعم حرب التحرير التي قادها ميشال عون ضد القوات السورية خلال المراحل الأخيرة من الحرب الأهلية في لبنان.
ونتيجة لهذا، اعتبر حافظ الأسد أن لبنان لا غنى عنه لبقاء نظامه.
الأهمية الاستراتيجية للبنان
إن قرب لبنان من سوريا وحدوده المسامية جعله مركزاً لتهريب الأسلحة والتجسس والتخريب والإيديولوجيات الثورية. وإذا وقع لبنان في أيدي خصوم الأسد، فإن النظام في دمشق سوف يواجه تهديدات وجودية.
وبدافع من جنون العظمة، عزز حافظ الأسد سيطرته على لبنان، وبلغت ذروتها بتدخل الجيش السوري في الحرب الأهلية اللبنانية. وكان هذا بمثابة بداية احتلال سوري دام 29 عاماً.
في عام 1976، ومع احتدام الحرب الأهلية في لبنان، نشر الأسد قوات لدعم الميليشيات المسيحية المارونية ضد منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية. وسعت الحركة الوطنية، وهي تحالف من الفصائل اليسارية والقومية العربية والموالية لسوريا بقيادة الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، إلى مواجهة التدخل السوري. وقد أدى اغتيال جنبلاط في عام 1977، والذي يُنسب على نطاق واسع إلى شقيق حافظ رفعت، إلى تعميق التوترات.
التناقضات في استراتيجية الأسد
لقد سلط تحالف النظام مع الميليشيات المارونية ــ على الرغم من موقفه المعادي لإسرائيل ــ الضوء على المناورات السياسية المعقدة التي ينفذها. فقد كانت تصرفات سوريا متوافقة بشكل متناقض مع أهداف إسرائيل أثناء غزوها للبنان في عام 1982: تفكيك منظمة التحرير الفلسطينية وإقامة حكومة بقيادة مارونية.
إن هذه الاستراتيجية المزدوجة تؤكد مدى تجذر نفوذ نظام الأسد في لبنان، والذي كان مدفوعاً بمزيج من الضرورة الاستراتيجية والجنون.
فصل جديد للبنان
مع بدء سوريا صفحة جديدة، يواجه لبنان فرصة لإعادة بناء حياته السياسية، خالية من عقود من التدخل. ومع ذلك، فإن الندوب التي خلفها نظام الأسد تعمل كتذكير مؤلم بالتحديات التي تنتظره.
ومن خلال المرونة والإصلاح، يمكن للبنان أن يطمح إلى استعادة سيادته ورسم مسار نحو مستقبل أكثر إشراقاً.