لندن ــ في خضم الصراع السوري المضطرب والمتغير باستمرار، برز اسم واحد باستمرار: أبو محمد الجولاني. ومع سقوط نظام بشار الأسد بعد 13 عاما مضنية من الحرب الأهلية، برز الجولاني كشخصية محورية وصانع ملوك سياسي.
وبصفته زعيما لهيئة تحرير الشام، وهي جماعة إسلامية لعبت دورا مهيمناً في شمال غرب سوريا، فإن رحلة الجولاني لا تقل عن كونها غير عادية. فمن شخصية غامضة مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يأتي برأسها إلى قومي ثوري معترف به ومؤثر سياسي، أعاد تحوله تشكيل صورته العامة وديناميكيات سوريا السياسية.
من التشدد إلى القيادة
ولد أحمد حسين الشرع عام 1981 في إدلب، وبدأ مسار الجولاني نحو التشدد خلال حرب العراق عام 2003. وخلال هذه الفترة، انضم إلى شبكات المتمردين المتحالفة مع تنظيم القاعدة، المعارضة للقوات الأميركية. بحلول عام 2011، ومع انزلاق سوريا إلى حرب أهلية، عاد إلى وطنه، وأسس جبهة النصرة كفرع تابع لتنظيم القاعدة في سوريا. وسرعان ما اكتسبت المجموعة سمعة طيبة لفعاليتها في ساحة المعركة وأيديولوجيتها التي لا هوادة فيها.
ومع ذلك، جاءت لحظة حاسمة في عام 2016 عندما قطعت جبهة النصرة علاقاتها مع القاعدة، وخضعت لسلسلة من عمليات إعادة التسمية – أولاً باسم جبهة فتح الشام ثم هيئة تحرير الشام. وقد أدت هذه الخطوة المدروسة إلى إبعاد المجموعة عن جذورها المتطرفة ووضعها بشكل أوثق مع قوات المعارضة المحلية في سوريا.
إعادة التسمية والسعي إلى الشرعية
لقد شهدت قيادة الجولاني محاولة هيئة تحرير الشام تغيير روايتها، وتصوير نفسها ليس فقط كفصيل مسلح ولكن كسلطة حاكمة. في إدلب، أنشأت المجموعة حكومة الإنقاذ السورية، وتولت المسؤوليات الإدارية. لقد أدارت الخدمات المدنية ومشاريع البنية التحتية وحافظت على مظهر من مظاهر النظام في منطقة مزقتها الحرب.
كان هذا الجهد لإعادة صياغة العلامة التجارية بمثابة استجابة استراتيجية لسمعة المعارضة السورية الملطخة. وكما أوضح الخبير الاقتصادي والمستشار السياسي نديم شحادة، واجهت المعارضة تحديات شديدة، حيث تم وصفها بأنها مجزأة وفاسدة ومرتبطة بأيديولوجيات متطرفة مثل القاعدة وداعش.
وقال شحادة لصحيفة عرب نيوز: “لقد تفوق النظام وحلفاؤه، بما في ذلك روسيا وإيران، في حملات التضليل، وأقنعوا العالم بعدم وجود بديل موثوق وأن الفوضى ستتبع سقوط الأسد”.
إرث معقد
تحت قيادة الجولاني، طمس هيئة تحرير الشام الخطوط الفاصلة بين التشدد والحكم، وقدمت نفسها كقوة شرعية للاستقرار في شمال غرب سوريا. وفي حين يشكك المنتقدون في أساليبها وأصالتها، فقد لعبت هيئة تحرير الشام بلا شك دورًا مهمًا في تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي في إدلب.
إن تطور الجولاني ــ من متشدد مطلوب مكافأة على رأسه إلى شخصية تحاول التعامل مع تعقيدات القيادة السياسية ــ يعكس التحولات الأوسع نطاقا في الصراع السوري. ومع شروع الدولة التي مزقتها الحرب في الفصل التالي من حياتها، فإن دوره كرجل دولة وصانع ملوك سوف يظل نقطة مثيرة للفضول والنقاش.